تيار “التغيير الديمقراطي” يعود من باب الوحدة.. لحظة أمل في زمن التشظي
في ظل وضع سياسي موسوم بالركود والتشظي، شكّل اللقاء الذي احتضنه المقر المركزي للحزب الاشتراكي الموحد يوم الأحد 29 يونيو 2025 بين قياديي الحزب ورفاق تيار “التغيير الديمقراطي” لحظة سياسية تستحق التوقف والتأمل.
هذا اللقاء، الذي تم في جو وُصف بـ”الإيجابي والرفاقي والمسؤول”، ليس مجرد اجتماع عادي داخل مؤسسة حزبية، بل هو تجلٍّ لوعي جماعي بدأ يتبلور وسط صفوف مناضلي /ات الحزب، مفاده أن اللحظة التاريخية الراهنة تتطلب ما هو أكثر من التشخيص والنقد: تتطلب لمّ الشمل، وتوحيد الصفوف، والعمل المشترك في مواجهة التحديات المتعددة التي تمس الوطن والمواطنين.
بين قطيعة الأمس وآفاق الغد
منذ أن أعلن تيار “التغيير الديمقراطي” عن مقاطعته للمؤتمر الخامس للحزب، ثم عن حلّ نفسه، ظن كثيرون أن هذا الصوت قد انسحب نهائياً من الفعل الحزبي. لكنّ اللقاء الأخير أثبت العكس. فقد عاد التيار – أو على الأقل رموزه ومناضلوه – لا بروح الغلبة أو تصفية الحساب، بل بنَفَس وحدوي وحرص على الانخراط من داخل المؤسسات الحزبية.
هذا التحوّل لا يمكن إلا أن يُقابل بالتقدير. فأن يختار مناضلون الانخراط من الداخل، بعد مرحلة من القطيعة، يعني أنهم ما زالوا يؤمنون بأن الحزب ليس ملكاً لأشخاص أو تيارات، بل هو فضاء نضالي مشترك لكل من يحمل همّ التغيير الديمقراطي والعدالة الاجتماعية.
دور التيار الذي لم ينطفئ.
تيار “التغيير الديمقراطي”، رغم حله التنظيمي، ظلّ رقماً أساسياً في معادلة الحزب الاشتراكي الموحد. فقد مثّل هذا التيار منذ انطلاقه صوتاً نقدياً من داخل البيت، يطرح بجرأة قضايا تتعلق بالديمقراطية الداخلية، والفعالية التنظيمية، والارتباط بالحراك المجتمعي، خصوصاً في لحظات كبرى مثل حراك الريف وحركات الشباب.
ومن خلاله، تسرّبت إلى بنية الحزب أفكار ضرورية حول ضرورة تجديد الخطاب السياسي، وفتح النوافذ أمام الطاقات الجديدة، وتجاوز المنطق الكلاسيكي في التدبير التنظيمي. كما كانت للتيار مساهمة بارزة في تأطير النقاشات القاعدية، وصياغة رؤية يسارية حديثة غير منغلقة على نفسها.
الرسالة الأهم: اليسار يحتاج إلى الوحدة
الرسالة التي يبعث بها هذا اللقاء إلى باقي مكونات اليسار المغربي، سواء داخل الحزب الاشتراكي الموحد أو خارجه، هي أن وحدة الصف ليست ترفاً سياسياً، بل شرط وجود. لأن ما تواجهه البلاد اليوم – من ضرب للحقوق، وتراجعات عن المكتسبات، وتضييق على الحريات، وتمكين للوبيات الريع والسلطة – لا يمكن مواجهته بتيارات متناحرة أو أحزاب متشرذمة.
إن قرار مناضلي “التغيير الديمقراطي” بالعمل من داخل الحزب لبناء تنظيم أقوى وأوفى لمبادئه، هو مساهمة في هذا الأفق الوحدوي. كما أنه دعوة مفتوحة إلى باقي الغيورين على المشروع الديمقراطي التقدمي، من أجل تجاوز خلافات الماضي، والعمل جماعياً على صياغة بديل سياسي ومجتمعي يرقى إلى تطلعات الشعب المغربي.
لقاء 29 يونيو ليس فقط لقاء مصالحة، بل هو لحظة تأسيس جديدة. تأسيس لوحدة رفاقية مبنية على الاحترام والنقد البناء، تأسيس لحزب يستعيد روحه النضالية وتنظيمه الفاعل، وحضوره الميداني في معارك الجماهير.
في زمن تتسارع فيه المؤامرات على الديمقراطية، وتتعمّق فيه سياسات الإقصاء والهيمنة، تبقى هذه اللحظات النبيلة من الوضوح السياسي والوحدة الرفاقية، ضوءاً صغيراً… لكنه واعد.
محمد قابة مناضل تيار التغيير الديمقراطي بالحزب الاشتراكي الموحد